فصل: ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 سنة إحدى وثمانين ومائة

فمن الحوادث فيها غزو الرشيد أرض الروم فافتتح بها عنوة حصن الصّفصاف فقال مروان بن أبي حفصه‏:‏ إن أمير المؤمنين المصطفى قد ترك الصفصاف قاعًا صَفصفًا وفيها‏:‏ غزا عبد الملك بن صالح الروم فبلغ أنقرة وافتتح مطمورة ‏.‏

وفيها‏:‏ غلبت المحمرة على جرجان ‏.‏

وفيها‏:‏ أحدث الرشيد عند نزوله للرقة في صدور كتبه الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس الرشيد وتخلف عنه يحيى بن خالد ثم لحقه بالعمرة فاضعفاه من الولاية فأعفاه فرد إليه الخاتم وسأله الإذن له في المقام بمكة فأذن له فانصرف إليها ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحسن بن قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان أبو الحسن وهو أخو حميد بن قحطبة والحسن أحد قواد الدولة العباسية خلف بن خليفة بن صاعد أبو أحمد الأشجعي روى عنه‏:‏ هشيم وقتيبة والحسن بن عرفة وكان ثقة صدوقًا نزل الكوفة ثم انتقل إلى واسط ثم تحول إلى بغداد فأقام بها حتى توفي في هذه السنة وهو ابن مائة سنة وستة ‏.‏

عبد اللّه بن المبارك أبو عبد الرحمن المروزي مولى بني حنظلة كان أبوه تركيًا أو كان عبدًا لرجل من التجار من همذان من بني حنظلة وكان عبد اللّه إذا قدم همذان يخضع لوالديه ويعظمهم وكانت أمه خوارزمية ‏.‏

ولد سنة ثماني عشرة ومائة وسمع هشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش وسليمان التيمي وحميد الطويل وابن عون ومالكًا والثوري والأوزاعي وغيرهم وكان من أئمة المسلمين الموصوفين بالحفظ والفقه والعزيمة والزهد والكرم والشجاعة ‏.‏

وله التصانيف الحسان والشعر المتضمن للزهد والحكمة وكان من أهل الغزو والمرابطة وكان ابن عيينة يقول‏:‏ نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلًا إلا بصحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب أخبرنا أحمد بن عبد الله أبو الحسين المحاملي قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن محمد المزكي قال‏:‏ حدثنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال‏:‏ حدثنا عبد المجيد بن إبراهيم حدثنا وهب بن زمعة قال‏:‏ حدَّثنا معاذ بن خالد قال‏:‏ قال إسماعيل بن عياش‏:‏ مما على وجه الأرض مثل عبد الله بن المبارك ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبد اللّه بن المبارك ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الخبيص وهو الدهر صائم ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن أبن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو الطيب عبد العزيز بن علي بن محمد القرشي قال‏:‏ أخبرنا عمر بن أحمد بن هارون قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن حمدويه قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن سعيد بن مسعود المروزي قال‏:‏ حدثنا أبو حاتم الرازي قال‏:‏ سمعت عبده بن سليمان يقول‏:‏ كنا في سريَّة مع ابن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعى إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ثم خرج آخر فقتله ثم خرج آخر فقتله ثم دعى إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فقتله فازدحم عليه الناس فكنت فيمن ازدحم عليه فإذا هو يلثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فممدته فإذا هو عبد اللّه بن المبارك فقال‏:‏ وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرني أبو علي عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فضالة قال‏:‏ أخبرنا أبو الفضل محمد بن محمد بن مجاهد قال‏:‏ حدثنا محمد بن جبريل قال‏:‏ سمعت أبا حسان البصري يقول‏:‏ سمعت الحسن بن عرفة يقول‏:‏ قال ابن المبارك‏:‏ استعرت قلمًا بأرض الشام فذهب علي أن أرده إلى صاحبه فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي فرجعت يا أبا علي إلى أرض الشام حتى رددته على صاحبه ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ حدَّثني يحيى بن علي بن الطيب الدسكري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم الرازي قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن علي الهمذاني قال‏:‏ حدثنا أبو حفص عمر بن مدرك قال‏:‏ حدٌثنا القاسم بن عبد الرحمن قال‏:‏ حدَّثنا أشعث بن شعبة المصيصي قال‏:‏ قدم هارون الرشيد أمير المؤمنين الرقة وقدم عبد الله بن المبارك بعده فانجفل الناس خلف عبد اللّه بن المبارك وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب فلما رأت الناس قالت‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ عالم من أهل خُراسان قدم الرقة يقال له‏:‏ عبد اللهّ بن المبارك ‏.‏

فقالت‏:‏ هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بسوط وأعوان ‏.‏

أخبرنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أنبأنا أبو بكر البيهقي قال‏:‏ حدثنا أبو عبد الله الحاكم قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله محمد بن العباس الضبي يقول‏:‏ سمعت عمر بن علي الجوهري يقول‏:‏ حدَّثنا أبو بكر محمد بن عيسى الطرسوسي يقول‏:‏ حدثنا نعيم بن حماد قال حدَّثنا ابن المبارك قال‏:‏ قدمت على معمر فسمعت منه وأمرت له بجارية وخمسين دينارًا ثم ودعته وخرجت فلما كنت على مرحلة ذاكرني عنه إنسان بحديث لم أكن سمعته منه فقلت‏:‏ لم أسمع منه هذا فقال‏:‏ ارجع فإنك منه قريب ‏.‏

فقلت‏:‏ بعدما بررته لا أرجع فيكون عليه فيه غضاضة أن أرجع إليه بعد البر حدثني أنت عنه فحدثني عنه ‏.‏

قال الحاكم‏:‏ وحدثنا محمد بن أيوب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عيسى قال‏:‏ سمعت علي بن الحسن يقول‏:‏ سمعت عبد الله بن المبارك يقول ‏.‏

لا أرى لصاحب عشرة آلاف درهم أن يدع الكسب فإنه إن لم يفعل لم آمن أن لا يعطف على جاره ولا يوسع على عياله ‏.‏

قال الحاكم‏:‏ وأخبرني محمد بن عمر قال‏:‏ أخبرنا محمد بن المنذر قال‏:‏ حدَّثني محمد بن إبراهيم الحدثي قال‏:‏ حدَّثني أبي عن رجل قد سمَّاه كان ينزل عليه عبد الله بن المبارك في بعض ما كان ومعه إخوان له فشكى إلي العُزْبة وأمرني أن أشتر له جارية ‏.‏

قال‏:‏ فاشتريت له جارية وعرضتها عليه فرضيها وقال‏:‏ ابعث بها إلى المنزل ‏.‏

قال‏:‏ فأتيت بها أهلي فأقامت حتى حاضت وطهرت فأخبرته بذلك فقال لي‏:‏ ابعث بها الليلة فأتيت بناتي فأخبرتهن فقمن إليها فمشطنها وهيأنها ‏.‏

قال‏:‏ فلما صلى العشاء الآخرة وجهتها إليه فلما أصبحنا قال للجارية‏:‏ امضي إلى أهل فلان ‏.‏

قال‏:‏ فجاءت الجارية فسألتها بناتي وأمهن عن حالها فقالت‏:‏ ما وضع يده علي قال‏:‏ فغدوت إليه فقلت‏:‏ يا أبا عبد الرحمن شكوت إليّ العُزْبة وأمرتني فاشتريت لك جارية وعرضتها عليك فرضيتها وقامت بناتي فهيأنها وإن أم فلان أخبرتني أنك لم تضع يدك عليها قال‏:‏ لي يا أبا فلان القول ما قلت لك من شدة العزبة لكني لما خلوت بها ذكرت إخواني فتذهمت أن أنال شهوة لا ينالوها وليس في يميني ما يسعهم أخرج الجارية فبعها ‏.‏

وفي معنى هذه الحكاية قول الشاعر‏:‏ وتركي مواساة الإخلاء بالذي تنال يدي ظلم لهم وعقوق وإني لأستحيي من الناس أن أرى بحال اتساع والصديق مضيق قال الحاكم‏:‏ وأخبرني أبو نصر الخفاف قال‏:‏ أخبرنا محمد بن المنذر قال‏:‏ سمعت يعقوب ابن إسحاق بن أيوب الشيباني يقول‏:‏ سمعت أبي يحكي عن أبيه قال‏:‏ كان عبد الله بن المبارك يحج ومعه أحمال وصناديق وخدم كثيرة وكان مع بعض خدمه قبجة فلما ارتحلوا من المنزل قدم أثقالهم فنظر صاحب القبجة إلى القبجة وهي ميتة فألقاها على كناسة وبقرب الكناسة باب صغير وعبد الله قائم على دابته ونظر إلى جويرية تخرج رأسها وترجع لتجد بذلك فرصة لكي لا يراها أحد فتغافل عنها عبد الله فخرجت في إزارها ليس عليها قميص ولا مقنعة فحملت تلك القبجة ودخلت الدار تعدو فقال عبد الله لغلام له‏:‏ انزل واقرع هذا الباب ‏.‏

ونزل الغلام وفعل ما أمره به فخرجت تلك الجارية فسألها عبد الله عن حالها وقصتها وقصة القبجة الميتة لماذا حملتها فقالت‏:‏ يا أبا عبد الله أنا وأخت لي في هذه الحجرة ليس لنا في هذه الدنيا إلا هذا الإزار الواحد وكان والدنا رجلًا موسرًا فمات فظُلمنا وغُصبنا على أهوالنا فبقينا بحال تحلّ لنا أكل الميتة وليس في منزلنا إلا هذا الإزار إذا لبسته بقيت أختي عريانة فهو كسوتنا وفراشنا ودثارنا ‏.‏

فقال لها عبد الله‏:‏ ليس لكم قيّم قالت‏:‏ لا والله فرق لها عبد الله ثم قال لغلامه‏:‏ الحق فرد الأثقال فردّها فسأل وكيله‏:‏ أين النفقة ‏.‏

فقال‏:‏ على وسطي وكان حمل ألف دينار فقال‏:‏ يا غلام عد عشرين دينارًا لنفقتنا إلى مرو وصب الباقي في إزار هذه الجارية ‏.‏

ففعل الغلام ذلك فلما رجع إلى المنزل قيل له‏:‏ ما ردَّك قال‏:‏ استقبلني ماهو أفضل من الحج ورجع إلى مرو قال محمد بن المنذر‏:‏ وحدثني موسى بن عمر وقال‏:‏ سمعت الحسين بن الحسن يقول‏:‏ كنا عند ابن المبارك جلوسًا فجاء سائل فسأله شيئًا فقال‏:‏ يا غلام ناوله درهمًا فلما ولى السائل قال له بعض أصحابه‏:‏ يا أبا عبد الرحمن هؤلاء السؤال يتغذون بالشواء والفالوذج‏!‏ كان يكفيه قطعة فلِم أمرت له بدرهم قال ابن المبارك‏:‏ يا غلام رده إنما ظننت أنهم يجيزون بالبقل والخل عند غدائهم فأما إذا كان غداؤهم الشواء والفالوذج فلا بد من عشرة دراهم يا غلام ناوله عشرة دراهم ‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وقرأت على ابن ناصر عن أبي القاسم بن اليسرى عن عبد الله بن بطة قال‏:‏ سمعت أحمد بن الخليل يقول‏:‏ حدَثني الحسن بن عيسى قال‏:‏ سمعت إبراهيم بن رستم يقول‏:‏ حدَثني خالد الواسطي قال‏:‏ سمعت سفيان الثوري يقول‏:‏ إني لأجهد أن أكون ثلاثة أيام على حالة يكون عليها ابن المبارك سنة فما أقدر عليه توفي ابن المبارك بهيت في رمضان هذه السنة وهو ابن ثلاث وستين سنة عيسى بن أبي جعفر المنصور توفي ببغداد في ذي القعدة من هذه السنة علي بن هاشم بن البريد أبو الحسن الخزاز ‏.‏

الكوفي قدم بغداد وحدَّث بها عن إسماعيل بن أبي خالد الأعمش روى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل واتفقوا على أنه كان ثقة ولكن كان يتشيع وتوفي في هذه السنة ولد سنة سبع ومائة وولي القضاء بمصر مرتين وكان من أهل الدين والفقه والورع وإجابة الدعوة دعا إلى الله أن يُذهب عنه الأمل فأذهبه عنه وكاد يختلس عقله ولم يهنئه شيء من الدنيا فدعى اللّه أن يرثه إليه فرده فرجع إلى حاله قال ابن رمح‏:‏ كان بيني وبين جار لي مشاجرة في حائط فقالت أمي‏:‏ امض إلى القاضي المفضل بن فضالة فقل له‏:‏ أمي تقول لك‏:‏ أحب أن تأتي فتنظر هذه الحائط لنا أو لجارنا فمضيتَ فأخبرته فقال اجلس لي بعد العصر حتى آتيك فجلست له فأتى فدخل إلى دارنا ثم دخل إلى دار جارنا فنظر ثم قال‏:‏ الحائط لجاركم ثم انصرف ‏.‏

توفي في شوال هذه السنة وسيأتي ذكر ابن ابنه المفضل بن فضالة بن المفضل بن فضالة يعقوب العابد الكوفي ‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن حبيب الصوفي قال‏:‏ أخبرنا أبو سعد بن أبي صاعق الحيري قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله باكويه الشيرازي قال‏:‏ حدَّثنا عمر بن محمد الأردبيلي حدثنا علي بن محمد القرشي قال‏:‏ حدثنا علي بن الموفق حدثنا منصور بن عمار قال‏:‏ خرجت ذات ليلة فظننت أني قد أصبحت فإذا عليّ ليل فقعدت عند باب صغير فإذا بصوت شاب يبكي ويقول‏:‏ وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك ولقد عصيتك حين عصيتك وما أنا بنكالك جاهل ولا بعقوبتك متعرض ولا بنظرك مستخف ولكن سولت لي نفسي وغلبتني شقوتي وغرني سترك المرخي علي عصيتك حين عصيتك بجهلي وخالفتك بجهدي فالآن من عذابك مَنْ يستنقذني وبحبل مَنْ أتصل إن قطعت حبلك عني واسوأتاه على ما مضت أيامي في معصية ربي يا ويلي كم أتوب وكم أعود قد آن لي أن أستحي من ربي ‏.‏

قال منصور‏:‏ فلما سمعت كلامه قلت‏:‏ أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ‏{‏يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكمِ نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد‏}‏ الآية فسمعت صوتًا واضطرابًا شديدًا فمضيت حاجتي فلما أصبحت رجعت وإذا أنا بجنازة علي الباب وعجوز تذهب تجيء فقلت لها‏:‏ مَن الميت فقالت‏:‏ أذهب عني لا تجدد علي أحزاني ‏.‏

فقلت‏:‏ إني رجل غريب ‏.‏

فقالت‏:‏ هذا ولدي مرّ بنا البارحة رجل - لا جزاه الله خيرًا - ير - فقرأ أية فيها ذكر النار فلم يزل ولدي يضطرب ويبكي حتى مات ‏.‏

قال منصور‏:‏ هكذا واللّه صفة الخائفين يا ابن عمار

 ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ انصراف الرشيد عن مكة ومسيره إلى الرّقة وبيعته بها لابنه المأمون بعد الأمين فأخذ له البيعة على الجند وضمّه إلى جعفر بن يحيى ووجّهه إلى مدينة السلام ومعه من أهل بيته‏:‏ جعفر بن المنصور وعبد الملك بن صالح ‏.‏

ومن القوّاد‏:‏ علي بن عيسى فبويع له بمدينة السلام حين قدمها وولاه أبوه خُراسان وما يتصل بها إلى همدان وسمَّاه المأمون ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد اللّه الحميدي قال‏:‏ أخبرنا أبو غالب بن بشران قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن دينار الكاتب قال‏:‏ حدَّثنا أبو علي عيسى بن محمد الطوماري قال‏:‏ حدَّثنا أبو بكر بن الجنيد قال‏:‏ حدَثني الحسين بن الصباح الزعفراني ‏.‏

قال‏:‏ لما قدم الشافعي إلى بغداد وافق عقد الرشيد للأمين والمأمون على العهد ‏.‏

قال‏:‏ فبكّر الناس ليهنئوا الرشيد فجلسوا في دار العامة ينتظرون الإذن قال‏:‏ فجعل الناس يقولون‏:‏ كيف ندعو لهما فإنا إذا فعلنا ذلك كان دعاء على الخليفة وإن لم ندع لهما كان تقصيرًا قال‏:‏ فدخل الشافعي رضي اللّه عنه فجلس فقيل له في ذلك فقال‏:‏ الله الموفق ‏.‏

فلما أذن دخل الناس وكان أول متكلم الشافعي رضي الله عنه فقال‏:‏ لا قصرًا عنها ولابلغتهما حتى تطول على يديك طوالها وفيها‏:‏ سَملت الروم عينيْ ملكِهم قسطنطين وحج بالناس في هذه السنة موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي أبو عتبة من أهل حمص وُلد سنة اثنتين ومائة وقيل‏:‏ سنة ست وسمع من الأكابر من أبي بكر بن أبي مريم ويحيى بن سعيد الأنصاري وسهل بن أبي صالح وغيرهم وروى عنه‏:‏ الأعمش وابن المبارك ويزيد بن هارون وقدم بغداد على المنصور فولاه خزانة الكسوة وكان يقول‏:‏ ورثت عن أبي أربعة آلاف دينار فأنفقها في طلب العلم قال يحيى بن معين‏:‏ إسماعيل ثقة والعراقيون يكرهون حديثه

وقال البخاري‏:‏ إذا حدث عن أهل بلده فصحيح وإذا حدث عن غير أهل بلده ففيه نظر توفي في هذه السنة وبعضهم يقول‏:‏ في سنة إحدى وثمانين عمار بن محمد أبو اليقظان الكوفي ابن أخت سفيان الثوري سكن بغداد وحدّث عن الأعمش ‏.‏

روى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل وقال ابن حبان‏:‏ كان ممَنْ فحش خطؤه وكثر وهمه فاستحق الترك توفي في محرم هذه السنة ‏.‏

مصد بن أبي شيبة بن إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي والد أبي بكر وعثمان وغيرهما ‏.‏

قال أبو زكريا يحيى بن معين كان رجلًا جميلًا ثقة كيّسًا وكان على قضاء فارس ومات بفارس في هذه السنة وهو ابن سبع وسبعين سنة محمد بن حميد أبو سفيان اليشكري يعرف بالمعمري لقي معمر بن راشد ولرحلته إليه سُمِّي المعمري ‏.‏

وسمع سفيان الثوري وغيره وكان ثقة صدوقًا فاضلًا توفي في هذه السنة ‏.‏

مروان بن سليمان بن يحيى بن أي حفصة أبو الهيذام ‏.‏

وقيل‏:‏ أبو السمط‏:‏ واسم أبي حفصة‏:‏ يزيد وكان من سبي إصطخر سُبِيَ غلامًا فاشتراه عثمان بن عفان فوهبه لمروان بن الحكم فأعتقه يوم الدار لأنه أبلى يومئذ بلاءً حسنًا ‏.‏

وقيل‏:‏ إن أبا حفصة كان طبيبًا يهوديًا أسلم على يد عثمان بن عفان ‏.‏

وقيل‏:‏ على يد مروان بن كان مروان بن سليمان شاعرًا مجيدًا ومدح المهدي والرشيد ومعن بن زائدة ‏.‏

وقال الكسائي‏:‏ إنما الشعر سقاء تمخض فدفعت الزبدة إلى مروان بن أبي حفصة

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرني أبو علي الجازري قال‏:‏ حدَّثنا المعافى قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن العباس العسكري قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن موسى بن حمزة قال‏:‏ حدَّثني أحمد بن موسى قال‏:‏ حدثنا الفضل بن بزيع قال‏:‏ رأيت مروان بن أبي حفصة قد دخل على المهدي بعد موت معن بن زائدة فمدحه بأبيات فقال‏:‏ من أنت قال‏:‏ شاعرك مروان بن أبي حفصة ‏.‏

فقال له‏:‏ ألست تقول‏:‏ أقمنا باليمامة بعد معن مقامًا ما نريد به زيالا وقلنا أين نرحل بعد معن وقد ذهب النوال فلا نوالا قد جئت تطلب نوالنا وقد ذهب النوال فلا شيء لك عندنا جروا برجله فجر برجله حتى أخرج فلما كان في العام المقبل تلطف حتى دخل مع الشعراء وإنما كانت الشعراء تدخل على الخلفاء في كل عام مرة فمثل بين يديه فأنشده‏:‏ طرقتك زائرة فحي خيالها شهدت من الأنفال آخر آية بتراثهم فأردتمُ أبطالها فجعل المهدي يتزاحف عن مصلاه إعجابًا بقوله ثم قال‏:‏ كم هي بيتًا قال‏:‏ مائة بيت ‏.‏

فأمر له بمائة ألف درهم فلما أفضت الخلافة إلى الرشيد أنشده فقال‏:‏ ألست القائل في معن كذا وكذا وذكر البيتين ثم أمر بإخراجه فتلطف حتى عاد ودخل بعد يومين فأنشدى قصيدة فأمر له بعدد أبياتها ألوفًا ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الأزهري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال‏:‏ حدَثني عبد الله بن إسحق بن سلام قال‏:‏ خرج مروان من دار المهدي ومعه ثمانون ألف درهم فمرّ بزمن فسأله فأعطاه ثلثي درهم فقيل له‏:‏ هلا أعطيته درهمًا فقال‏:‏ لو أعطيت مائة ألف لأتممت له درهمًا قال‏:‏ وكان مروان يبخل فلا يسرج له في داره فإذا أراد أن ينام أضاءت له الجارية بقصبة إلى أن ينام ‏.‏

أنبأنا محمد بن عبد الملك عن أبي محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ أخبرني يوسف بن يحيى بن علي المنجم عن أبيه قال‏:‏ حدثني ابن مهرويه قال‏:‏ حدَثني علي بن محمد النوفلي قال‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ كان المهدي يعطي ابن أبي حفصة وسلمًا الخاسر عطية واحدة وكان سلم يأتي باب المهدي على برذون قيمته عشرة آلاف درهم ولباسه الخز والوشي والطيب يفوح منه ويجيء مروان وعليه فرو وكل وقميص كرابيس وكساء غليظ وكان لا يأكل اللحم بخلًا حتى يقدم إليه فإذا قدم إليه أرسل غلامه فاشترى له رأسًا فأكله فقيل له‏:‏ نراك لا تأكل إلا الرؤوس ‏.‏

فقال‏:‏ الرأس أعرف شعره فآمن خيانة الغلام وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه وآكل منه ألوانًا‏:‏ آكل عينيه لونًا وأذنيه لونًا وغلصمته لونًا ودماغه لونًا وأكفى مؤونة طبخه فقد اجتمعت لي فيه مرافق ‏.‏

قال المرزبانيِ‏:‏ وحدثني أحمد بن عيسى الكرخي قال‏:‏ حدثنا أبو العيناء قال‏:‏ كان مروان بن أبي حفصة من أبخل الناس خرج يريد المهدي فقالت له امرأة من أهله‏:‏ ما لي عليك إن رجعت بالجائزة ‏.‏

قال‏:‏ إن أعطيت مائة ألف درهم أعطيتك درهمًا فأعطى ستين ألفًا فدفع إليها أربعة دوانيق توفي مروان في هذه السنة ودفن ببغداد في مقبرة نصر بن مالك يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حَبْتةَ الأنصاري وسعد من الصحابة عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فاستصغره وحَبْتَة أمه وأبوه‏:‏ بحير بن معاوية

سمع أبا إسحاق الشيباني وسليمان التيمي ويحيى بن سعيد الأنصاري والأعمش وهشام بن عروة وابن إسحاق والليث في آخرين ‏.‏

روى عنه‏:‏ محمد بن الحسن وعلي بن الجعد وأحمد بن حنبل ويحيى ابن معين ‏.‏

وسكن بغداد وولاَّه الهادي القضاء ثم الرشيد وهو أول مَنْ دُعِيَ بقاضي القضاة في الإسلام ‏.‏

وكان استخلف ابنه يوسف على الجانب الغربي وأقره الرشيد على عمله وولأَه قضاء القضاة بعد أبي يوسف ‏.‏

وقد روينا أنه تردد إلى أبي حنيفة وهو فقير فنهاه أبوه عن ذلك فانقطع فلما رآه أبو حنيفة انقطع سأله عن سبب انقطاعه فأخبره فأعطاه مائة درهم وقال‏:‏ استمتع بهذه فإذا فرغت فأخبرني ‏.‏ثم كان يتعاهده ‏.‏

وروينا أن أباه مات وخلفه طفلًا وأن أمه هي التي أنكرت عليه ملازمة أبي حنيفة‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال‏:‏ ذكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش‏:‏ أن محمد بن عبد الرحمن الشامي أخبرهم قال‏:‏ أخبرنا علي بن الجعد قال‏:‏ أخبرني يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف قال‏:‏ توفي أبي وخلفني صغيرًا في حجر أمي فأسلمتني إلى قصَار أخدمه فكنت أدع القصار وأمر إلى حلقة أبي حنيفة فأجلس فأستمع وكانت أمي تجيء خلفي إلى الحلقة فتأخذ بيدي وتذهب بي إلى القصار وكان أبو حنيفة يعنى بي لما يرى من حرصي على التعلم فلما كثر ذلك على أمي قالت لأبي حنيفة‏:‏ ما لهذا الصبي فساد غيرك هذا صبي يتيم لا كسب له وأنا من أطعمه من مغزلي وآمل انه يكسب دانقًا يعود به على نفسه ‏.‏

فقال لها أبو حنيفة‏:‏ مُري يا رعناء ها هوذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق ‏.‏

فانصرفت وقالت له‏:‏ أنت شيخ قد خرفت وذهب عقلك ‏.‏

ثم لزمته فنفعني الله بالعلم ورفعني حتى تقلدت القضاء وكنت أجالس الرشيد معه على مائدته فلما كان في بعض الأيام قدَّم إليَّ هارون فالوذجة بدهن فقال لي هارون‏:‏ يايعقوب كل منه فليس كل يوم يعمل لنا مثله ‏.‏

فقلت‏:‏ وماهذه يا أمير المؤمنين فقال‏:‏ هذه فالوذجة بدهن الفستق فضحكت فقال لي‏:‏ مم تضحك قلت‏:‏ خيرًا أبقى الله أمير المؤمنين فقال‏:‏ لتخبرني ‏.‏

وألحَّ عليَّ فأخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها فتعجب من ذلك وقال‏:‏ لعمري إن العلم يرفع وينفع دنيا وآخرة وترحم على أبي حنيفة وقال‏:‏ كان ينظر بعين عقله ما لا يرى بعين رأسه أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال‏:‏ أخبرنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ كان سبب اتصال يوسف بالرشيد أنه قدم بغداد بعد موت أبي حنيفة فحدث بعض القوَّاد في يمين وطلب فقيهًا يستفتيه فيها فجيء بأبي يوسف فأفتاه أنه لم يحنث فوهب له دنانير وأخذ له دارًا بالقرب منه واتصل به فدخل القائد يومًا إلى الرشيد فوجده مغمومًا فسأله عن سبب غمه فقال‏:‏ شيء من أمر الدين قد أحزّنني فاطلب لي فقيهًا أستفتيه فجاءه بأبي يوسف ‏.‏

قال أبو يوسف‏:‏ فلما دخلت إِلى ممر بين الدور رأيت فتى حسنًا عليه أثر الملك وهو في حجرة محبوس فأومأ إليَ بإصبعه مستغيثًا فلم أفهم عنه إرادته فأدخلت إلى الرشيد فلما مثلت بين يديه سلمت ووقفت فقال لي‏:‏ ما اسمك قلت‏:‏ يعقوب أصلح الله أمير المؤمنين ‏.‏

قال‏:‏ ما تقول في إمام شاهد رجلًا يزني هل يحده قلت‏:‏ لا يجب ذلك ‏.‏

فحين قلتها سجد الرشيد فوقع لي أنه قد رأى بعض أهله على ذلك وأن الذي أشار إلي بالإستغاثة هو الزاني ‏.‏

ثم قال الرشيد‏:‏ ومن أين قلت هذا قلت‏:‏ من قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إدرأوا الحدود بالشبهات ‏"‏ وهذه شبهة يسقط الحدّ معها ‏.‏

فقال‏:‏ وأي شبهة مع المعاينة‏!‏ قلت‏:‏ ليس توجب المعاينة لذلك أكثر من العلم بما جرى والحدود لا تكون بالعلم وليس لأحد أخذ حقه بعلمه ‏.‏

فسجد مرة أخرى وأمر لي بمال جزيل وأن ألزم الدار فما خرجت حتى جاءتني هدية الفتى وهدية أمه وأسبابه فصار ذلك أصلًا للنعمة ولزمت ‏.‏

الدار فكان هذا الخادم يستفتيني وهذا يشاورني وصلاتهم تصل إليً ثم استدعاني الرشيد واستفتاني في خواص أمره قال لي أبي‏:‏ بلغني أن أبا يوسف لما مات خلف مائتي سراويل من أصناف السراويلات وكل بتكة أرمني تساوي دينارًا ‏.‏

وبلغ من محله عند الرشيد أنه طلبه يومًا فجاء وعليه بردة فقال الرشيد‏:‏ جاءت به معتجرًا ببرده سفوآء ترضى بنسيج وحده أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا محمد بن القاسم الأزرق قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن الحسن المقرىء أن محمد بن عبد الرحمن الشاميِ أخبرهم قال‏:‏ أخبرنا ابن الجعد قال‏:‏ سمعت أبا يوسف يقول‏:‏ العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك فأنت إذا أعطيته كلك كان من إعطائه البعض على عشر ‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ كان أبو حنيفة يشهد لأبى يوسف أنه أعلم الناس ‏.‏

وقال المزني‏:‏ أبو يوسف أتبعهم للحديث ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب أخبرنا الحسين بن محمد المعدل قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن الأسمي قال‏:‏ حدثنا أبو بكر الدامغاني الفقيه قال‏:‏ حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال‏:‏ حدثنا ابن أبي عمران قال‏:‏ حدّثنا بشر بن الوليد قال‏:‏ سمعت أبا يوسف يقول‏:‏ سألني الأعمش عن مسألة فأجبته فيها فقال لي‏:‏ من أين قلتَ هذا قلت‏:‏ لحديثك الذي حدثتناه أنت ثم ذكرت الحديث فقال لي‏:‏ يا يعقوب إني لأحفظ هذا الحديث قبل أن يخرج أبواك فما عرفت تأويله حتى الآن ‏.‏

وقال أبو زرعة الرازي‏:‏ كان محمد بن الحسن جهميًا وكان أبو يوسف سليمًا من التجهم ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن أبي طالب قال‏:‏ حدّثنا علي بن عمر بن محمد التمار قال‏:‏ حدَّثنا مكرم بن أحمد القاضي قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن عطية قال‏:‏ سمعت بشارًا الخفاف قال‏:‏ سمعت أبا يوسف يقول‏:‏ مَنْ قال القرآن مخلوق فحرام كلامه وفرض مباينته ‏.‏

قال ابن المديني‏:‏ كان أبو يوسف صدوقًا وقال يحيى‏:‏ هو ثقة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن جعفر التميمي قال‏:‏ أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا وكيع قال‏:‏ أخبرني إبراهيم بن أبي عثمان عن يحيى بن عبد الصمد قال‏:‏ خوصم موسى أمير المؤمنين إلى أبي يوسف في بستانه فكان الحكم في الظاهر لأمير المؤمنين وكان الأمر على خلاف ذلك فقال أمير المؤمنين لأبي يوسف‏:‏ ما صنعت في الأمر الذي نتنازع إليك فيه قال‏:‏ خصم أمير المؤمنين يسألني أن أحلف أمير المؤمنين أن شهوده شهدوا على حق فقال له موسى‏:‏ وترى ذلك قال‏:‏ قد كان ابن أبي ليلى يراه قال فأردد البستان عليه إنما احتال أبو يوسف ‏.‏

وروى الحسن بن أبي مالك قال‏:‏ سمعت أبا يوسف يقول‏:‏ وُلًيت هذا الحكم وانغمست فيه وليس في قلبي منه شيء وأسأل الله أن لا يسألني عن جور ولا ميل مني إلى أحد إلا يومًا واحدًا فإنه يقع في قلبي منه شيء قالوا‏:‏ وما هو قال‏:‏ جاءني رجل فقال‏:‏ لي بستان قد اغتصبني إياه أمير المؤمنين ‏.‏

فقلت‏:‏ فيِ يد مَنْ هو الآن فقال‏:‏ في يد أمير المؤمنين ‏.‏

قلت‏:‏ ومن يقوم بعمارته ومصلحته قال‏:‏ أمير المؤمنين ‏.‏

فأخذت قصته ودخلت قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين إن لك خصمًا بالباب قد ادعى كيت وكيت ‏.‏

فقال‏:‏ هذا البستان لي اشتراه لي المهديِ ‏.‏

فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تدعو خصمك فأسمع منكمما ‏.‏

قال‏:‏ فدعي به فأدخل فادّعى فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ما تقول فيما ادعى قال‏:‏ البستان لي وفي يدي اشتراه لي المهدي ‏.‏

قلت‏:‏ يا رجل قد سمعت فما تشاء ‏.‏

قال‏:‏ خذ لي يمينه ‏.‏

قلت‏:‏ أيحلف أمير المؤمنين قال‏:‏ لا ‏.‏

قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين أعرض عليك اليمين ثلاثًا فإن حلفت وإلا حكمت عليك ‏.‏

فعرضت عليه اليمين ثلاثًا فأبى أن يحلف فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين قد حكمت عليك بهذا البستان فإن رأيت أن تأمر بتسليمه إليه ‏.‏

قال‏:‏ لا أسلم ‏.‏

قلت‏:‏ يا رجل تعود في مجلس غير هذا فقال‏:‏ افعل لي ما يجب أن تفعل ‏.‏

قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين بالحبس يعرض ‏.‏

فأمر به فأخرج ‏.‏

فقال الفضل بن الربيع‏:‏ والله ما رأيت مجلسًا قط إلا وهذا أحسن منه ‏.‏

فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين إن رأيت أن يتم حسن هذا المجلس بردٌ هذا البستان ‏.‏

قيل له‏:‏ فأي شيء في قلبك قال‏:‏ جعلت أحتال في صرف الخصومة والقضية عن أمير المؤمنين ولم أسأله أن يقعد مع خصمه أو يأذن لخصمه أن يقعد معه على السرير ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني قال‏:‏ أخبرنا المعافى بن زكريا قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن أبي الأزهر قال‏:‏ حدثنا حماد بن إسحاق الموصلي قال‏:‏ حدَّثني أبي قال‏:‏ حدثني بشر بن الوليد وسألته‏:‏ من أين جاء قال‏:‏ كنت عند أبي يوسف القاضي وكنا في حديث ظريف فقلت له‏:‏ حدثني به قال‏:‏ قال لي يعقوب القاضي‏:‏ بينا أنا البارحة قد أويت إلى فراشي فإذا داق يدق الباب دقًا شديدًا فأخذت عليّ إزاري وخرجت عليه فقال‏:‏ أجب أمير المؤمنين ‏.‏

فقلت‏:‏ يا أبا حاتم لي بك حرمة وهذا وقت كما ترى فإن أمكنك أن تدفع ذلك إلى الغد ‏.‏

قال‏:‏ ما لي إلى ذلك سبيل ‏.‏

قلت‏:‏ وكيف كان السبب قال‏:‏ خرج إلي مسرور الخادم فأمر أن آتي بك أمير المؤمنين ‏.‏

فقلت‏:‏ قد أذن لي أن أصب علي ماء وأتحنط فإن كان أمر من الأمور كنت قد أحكمت شأني وإن رزق الله العافية فلن يضر ‏.‏

فأذن لي فدخلت فلبست ثيابًا جددًا وتطيبت بما أمكن من الطيب ثم خرجنا فمضينا حتى أتينا إلى دار الرشيد فإذا مسرور فقال له هرثمة‏:‏ قد جئت به ‏.‏

فقلت لمسرور‏:‏ يا أبا هاشم خدمتي وحرمتي وهذا وقت ضيق فتدري لِم طلبني أمير المؤمنين قال‏:‏ لا ‏.‏

قلت‏:‏ فمَنْ عنده قال‏:‏ عيسى بن جعفر ‏.‏

قلت‏:‏ ومَن قال‏:‏ ما عنده ثالث ‏.‏

فقال‏:‏ مر فإذا صرت في الصحن فإنه في الرواق فحرك رجلك في الأرض فإنه سيسألك فقل‏:‏ أنا ‏.‏

فجئت ففعلت فقال‏:‏ مَنْ هذا قلت‏:‏ يعقوب قال‏:‏ ادخل ‏.‏

فدخلت فإذا هو جالس وعن يمينه عيسى بن جعفر فسلَّمت فرد عليّ السلام وقال‏:‏ أظننا روعناك ‏.‏

قلت‏:‏ أي والله وكذلك مَنْ خلفي ‏.‏

قال‏:‏ اجلس فجلست حتى سكن روعي ثم التفت إليَ فقال‏:‏ يا يعقوب تدري لِم دعوتك ‏.‏

قلت‏:‏ لا ‏.‏

قال‏:‏ دعوتك لأشهدك على هذا أن عنده جارية سألته أن يهبها لي فامتنع وسألته أن يبيعنيها فأبى ووالله لئن لم يفعل لأقتلنّه ‏.‏

قال‏:‏ فالتفتُ إلى عيسى فقلت له‏:‏ وما بلغ اللّه بجارية تمنعها أمير المؤمنين وتنزل نفسك هذه المنزلة فقال لي‏:‏ عجلت في القول قبل أن تعرف ما عندي ‏.‏

قلت‏:‏ وما في هذا من الجواب قال‏:‏ إن علي يمينًا بالطلاق والعتاق وصدقة ما أملك أن لا أبيع هذه الجارية ولا أهبها فالتفت إلي الرشيد فقال‏:‏ هل له في ذلك من مخرج ‏.‏

قلت‏:‏ نعم ‏.‏

قال‏:‏ وما هو ‏.‏

قلت‏:‏ يهب لك النصف ويبيعك النصف فيكون لم يبع ولم يهب ‏.‏

قال‏:‏ ويجوز ذلك قلت‏:‏ نعم ‏.‏

قال‏:‏ فأشهدك أني قد وهبت له نصفها وبعت له نصفها الباقي بمائة ألف دينار فقال‏:‏ عليّ بالجارية فأتي بالجارية وبالمال فقال خذها يا أمير المؤمنين بارك الله لك فيها ‏.‏

قال‏:‏ يا يعقوب بقيت واحدة ‏.‏

قلت‏:‏ وما هي قال‏:‏ هي مملوكة ولا بد أن تستبرأ ووالله لئن لم أبت معها لِيلتي إني لأظن أن نفسي ستخرج ‏.‏

قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين تعتقها وتتزوجها فإن الحرة لا تستبرأ ‏.‏

قال‏:‏ فإنى قد أعتقتها فمن يزوجنيها قلت‏:‏ أنا فدعا بمسرور وحسين فخطبت وحمدت الله ثم زوَّجته على عشرين ألف درهم ودعا بالمال فدفعه إليها ثم قال لي يا يعقوب انصرف ورفع رأسه إلى مسرور وقال‏:‏ يا مسرور قال‏:‏ لبيك أمير المؤمنين ‏.‏

قال‏:‏ احمل إلى يعقوب مائتي ألف درهم وعشرين تختًا ثيابًا ‏.‏

فحمل ذلك معي فقال بشر بن الوليد‏:‏ فالتفت إلي يعقوب فقال‏:‏ هل رأيت بأسًا فيما فعلت قلت‏:‏ لا قال‏:‏ فخذ منها حقك ‏.‏

قلت‏:‏ وما حقي ‏.‏

قال‏:‏ العشر ‏.‏

قال‏:‏ فشكرته ودعوت له وذهبت لأقوم فإذا بعجوز قد دخلتَ فقالت‏:‏ يا أبا يوسف ابنتك تقرئك السلام وتقول لك‏:‏ والله ما وصل إليَّ في ليلتي هذه من أمير المؤمنين إلا المهر الذي عرفته وقد ضفت إليك النصف منه وخلفت الباقي لما أحتاج إليه

فقال‏:‏ ردّيه فوالله لا قبلته أخرجتها من الرق وزوجتها من أمير المؤمنين‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني محمد بن الحسين القطان قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسن بن زياد النقاش‏:‏ أن محمد بن علي الصايغ أخبرهم قال‏:‏ أخبرني يحيى بن معين قال‏:‏ كنت عند أبي يوسف القاضي وعنده جماعة من أصحاب الحديث وغيرهم فوافته هدية من أم جعفر احتوت على تخوت دبيقي ومصمت وطيب وتماثيل ند وغير ذلك فذاكرني رجل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ مَنْ أتته هدية وعنده قوم جلوس فهم شركاؤه فيها ‏"‏ فسمعه أبو يوسف فقال‏:‏ أبي تعرض ذلك إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ والهدايا يومئذ الأقط والتمر والزبيب ‏"‏ ولم تكن الهدايا ما ترون يا غلام شل إلى الخزائن ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني الخلال قال‏:‏ أخبرنا علي بن عمرو الحريري‏:‏ أن علي بن محمد النخعي حدَثهم قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن إسحاق عن بشر بن غياث قال‏:‏ سمعت أبا يوسف يقول‏:‏ صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة ثم انصبت علي الدنيا سبع عشرة سنة فما أظن أجلي إلا قد اقترب قال‏:‏ فما مضت شهور حتى مات ‏.‏

قال النخعي‏:‏ وحدَّثني أبو عمرو القزويني قال‏:‏ حدثنا القاسم بن الحكم العربي قال‏:‏ سمعت أبا يوسف يقول عند موته‏:‏ يا ليتني مت على ما كنت عليه من الفقر وإني لم أدخل في القضاء يا ليتني على أني ما تعمدت بحمد الله ونعمته جورًا ولا حَابَيْتُ خصمًا على خصم من سلطان أوسوقة ‏.‏

توفي أبو يوسف رحمه الله في ربيع الأول من هذه السنة ‏.‏

وهو ابن تسع وستين سنة وأقام في القضاء ست عشرة سنة ‏.‏

يعقوب بن داود بن طهمان أبو عبد اللّه ‏.‏

مولى عبد الله بن حازم السلمي استوزره المهدي وقرب من قلبه وغلب على أمره ثم إنه أمره بقتل بعض العلويين فقال‏:‏ قد فعلت ‏.‏

ولم يفعل على ما حكيناه في سنة ست وستين فسجنه إلى أن أخرجه الرشيد ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد المعدل قال‏:‏ أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان قال‏:‏ حدَّثنا أبو بكر أبي الدنيا قال‏:‏ حدثني خالد بن يزيدُ الأزدي قال‏:‏ حدّثني عبد الله بن يعقوب بن داود قال‏:‏ قال أبي‏:‏ حبسني المهدي في بئر وبُنيت عليّ قبة فمكثت فيها خمس عشرة سنة حتى مضى صدر من خلافة الرشيد وكان يُدلى إلي كل يوم رغيف وكوز من ماء وأوذن بأوقات الصلوات فلما كان في رأس ثلاث عشرة حجة أتاني آتٍ في منامي فقال‏:‏ قال‏:‏ فحمدت الله وقلت‏:‏ أتى الفرج ‏.‏

قال‏:‏ فمكثت حولًا لا أرى شيئًا فلما كان رأس الحول الثاني أتاني ذلك الآتي فقال لي‏:‏ عسى الكرب الذي أمسيتَ فيه يكون وراءه فرج قريب فيأمن خائِفٌ ويفك عانٍ ويأتي أهله النائي الغريب فلما أصبحت نوديت فظننت أني أوذن بالصلاة فدلي لي حبْلٌ أسود وقيل لي‏:‏ اشدد به وسطك ففعلت فأخرجوني فلما قابلت الضوء غشي بصري فانطلقوا بي فأدخلوني على الرشيد فقيل لي‏:‏ سلّم على أمير المؤمنين‏.‏

فقلت‏:‏ السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين المهدي ‏.‏

فقال‏:‏ لست به ‏.‏

قلت‏:‏ السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته الهادي ‏.‏

قال‏:‏ ولست به ‏.‏

قلت‏:‏ السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ‏.‏

قال‏:‏ الرشيد ‏.‏

فقلت‏:‏ الرشيد ‏.‏

فقال‏:‏ يا يعقوب إنه والله ما شفع فيك إلي أحدٌ غير أني حملت الليلة صبية لي على عنقي فذكرت حملك إياي على عنقك ورثيت لك من المحل الذي كنت فيه فأفرجت عنك ‏.‏

قال‏:‏ فأكرمني وقرب مجلسي ‏.‏

ثم قال‏:‏ إن يحيى بن خالد تنكر لي كأنه خاف أن أغلبه على أمير المؤمنين دونه فخفته فلم يزل مقيمًا بمكة حتى مات بها في هذه السنة رحمه الله ‏.‏

يزيد بن زريع بن معاوية العَيشي ‏.‏

من بني عايش وهم من ولد بكر بن وائل كان عالمًا صدوقًا ثبتًا ‏.‏

وكان أبوه والي البصرة فلم يأخذ من ميراثه شيئًا وكان يعمل الخوص ‏.‏

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا عبد القادر بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخياط قال‏:‏ حدَّثنا ابن أبي الفوارس قال‏:‏ حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال‏:‏ حدثنا أبو بكر المروزي قال‏:‏ سمعت عبد الوهاب يقول‏:‏ سمعت أبا سليمان الأشقر يقول‏:‏ تَنزه يزيد بن زريع عن خمسمائة ألف من ميراث أبيه فلم يأخذه ‏.‏

توفي يزيد بالبصرة في هذه السنة ‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة سبع وسبعين وكان ثقة صدوقًا ثبتًا في الحديث ‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أحدهما‏:‏ أن ابنة خاقان الملك ماتت فقيل لأبيها إنما قتلها المسلمون غيلة فحنق لذلك فأخذ في الأهبة لحرب المسلمين وجاء في أكثر من مائة ألف فانتهكوا أمرًا عظيمًا وأوقعوا بالمسلمين وبأهل الذمة وسبوا منهم ‏.‏

والثاني‏:‏ أن سعيد بن مسلم قتل المنجم السلمي بفارس فدخل ابنه بلاد فاستجاشهم على سعيد فدخلوا أرمينية من الثُّلْمة فانهزم سعيد ونكحوا المسلمات فأقاموا مدة فوجّه الرشيد خزيمة بن خازم ويزيد بن مزيد إلى أرمينية حتى أصلحوا ما أفسد سعيد وأخرجوا الخزر وسدت الثلمة وفيها‏:‏ كتب الرشيد إلى عيسى بن ماهان وهو بخراسان أن يصير إليه وكان سبب كتابه‏:‏ أنه حُمل عليه وقيل‏:‏ إنه قد أجمع على الخلاف ‏.‏

وفيها‏:‏ خرج أبو الخصيب وهيب بن عبد الله النسائي ‏.‏

وفيها‏:‏ حجّ بالناس العباس بن موسى الهادي ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف بن إسحاق الزهري ‏.‏

روى عنه‏:‏ شعبة والليث بن سعد وابن مهدي وعلي بن الجعد وأحمد بن حنبل وكان ثقة ونزل بغداد فمات بها في هذه السنة وهو ابن خمس وسبعين سنة ودفن في مقابر باب التين ‏.‏

بهلول بن راشد الإفريقي ‏.‏

روى عن يونس بن يزيد والقعنبي وكانت له عبادة وفضل أمر محمد بن مقاتل العتكي الأمير بالمعروف فضربه فمات بإفريقية في هذه السنة- داود بن مهران بن زياد أبو هاشم الربعي ‏.‏

ولد سنة مائة وقدم مصر سنة تسع وثلاثين وخرج عن المغرب إلى البصرة وأقام بها ورجع إلى مصر سنة ستين وخرجِ إلى المغرب فأقام بها وعاد إلى مصر فمات بها في رمضان هذه السنة وكان عالمًا دينًا في خلقه زعارة لا يحدث ‏.‏

علي بن الفضيل بن عياض ‏.‏

مات في حياة أبيه كان متعبدًا مجهتدًا شديد الخوف من الله تعالى على حداثة سنه يدقق في الورع ويبالغ في النظر في المطعم وقد أسند الحديث عن عبد العزيز بن أبي رواد وسفيان بن عيينة وغيرهما ‏.‏

أخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه قال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا أحمد بن الحسين الحذاء قال‏:‏ حدثنا أحمد بن إبراهيم المورقى قال‏:‏ حدثنا سلمة بن عفان عن محمد بن الحسين قال‏:‏ كان علي بن الفضيل يصلي حتى يزحف إلى فراشه ثم يلتفت إلى أبيه فيقول‏:‏ يا أبت سبقني العائدون ‏.‏

قال الدورقي‏:‏ وحدثني محمد بن شجاع عن سفيان بن عيينة قال‏:‏ ما رأيت أحدًا أخوف من الفضيل وابنه علي ‏.‏

علي بن زياد أبو الحسن العبسي المغربي ‏.‏

من أهل تونس رحل إلى الحجاز والعراق فيِ طلب العلم ‏.‏

وروى عن‏:‏ الثوري ومالك وهو الذي أدخل المغرب جامع الثوري و موطأ مالك وفسر لهم قول مالك ولم يكونوا يعرفونه أقبل ذلك وهو معلم سحنون بن سعيد الفقيه ‏.‏

توفي في هذه السنة ‏.‏

محمد بن صبيح أبو العباس المذكر مولى بني عجل يعرف‏:‏ بابن السماك ‏.‏

سمع هشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش وسفيان الثوري وغيرهم‏.‏

روى عنه‏:‏ حسين بن علي الجعفي وأحمد بن حنبل وغيرهما ‏.‏

وله مواعظ حسان ومقامات أخبرنا عبد الرحمن أبن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني بكران بن الطيب قال‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد المفيد قال‏:‏ حدَّثنا عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ حدثني أبي المغيرة بن شعيب قال‏:‏ حضرت يحيى بن خالد وهو يقول لابن السماك‏:‏ إذا دخلت على أمير المؤمنين فأوجز ولا تكثر عليه ‏.‏

قال‏:‏ فلما دخل عليه وقام بين يديه قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن لك بين يدي الله مقامًا وإن لك من مقامك منصرفًا فانظر إلى أين منصرفك إلى الجنة أم إلى النار ‏.‏

قال‏:‏ فبكى هارون حتى كاد أن يموت ‏.‏

توفي ابن السماك بالكوفة في هذه السنة ‏.‏

موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم أبو الحسن الهاشمي ‏.‏

ولد بالمدينة في سنة ثمان وعشرين ‏.‏

وقيل‏:‏ سنة تسع وعشرين ‏.‏

وولد له أربعون ولدًا من ذكر وأنثى وكان كثير التعبد جوَّادًا وإذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه ألف دينار وخرج إلى الصلح وأهدى له بعض العبيد عصيدة فاشترى الضيعة التي فيها ذلك العبد والعبد بألف دينار وأعتقه ووهبها له ‏.‏

وأقدمه المهدي بغداد ثم رده إلى المدينة لمنام له رآه ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ حدَّثني الحسن بن محمد الخلال قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد بن عمران قال‏:‏ حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال‏:‏ حدثنا عون بن محمد قال‏:‏ سمعت إسحق الموصلي يقول‏:‏ حدثنيا الفضل بن الربيع عن أبيه‏:‏ أنه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي في النوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول‏:‏ يا محمد ‏{‏فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم‏}‏ قال الربيع‏:‏ فأرسل إلي ليلًا فراعني ذلك فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتًا ‏.‏

وقال علي بموسى بن جعفر‏:‏ فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال‏:‏ يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم فقرأ علي كذا فتؤمننيِ أن َتخرج علي أو على أحد من ولدي فقال‏:‏ والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني قال‏:‏ صدقت يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة قال الربيع‏:‏ فأحكمت أمره ليلًا فما أصبح إلا وهو على الطريق خوف العوائق ‏.‏

قال مؤلف الكتاب رحمه اللّه‏:‏ ثم لم يزل مقيمًا بالمدينة إلى أيام الرشيد فحجَّ الرشيد فاجتمعا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فسمع منه الرشيد كلامًا غيّره

وهو ما أخبرنا به منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال‏:‏ حدثنا عمر بن أحمد الواعظ قال‏:‏ حدَّثنا الحسين بن القاسم قال‏:‏ حدِّثني أحمد بن وهب قال‏:‏ أخبرني عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال‏:‏ حج هارون الرشيد فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم زائرًا له وحوله قريش وأفياء القبائل ومعه موسى بن جعفر فلما انتهيا إلى القبر قال‏:‏ السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم ‏.‏

افتخارًا على مَنْ حوله فدنا موسى بن جعفر فقال‏:‏ السلام عليك يا أبت فتغير وجه هارون وقال‏:‏ هذا الفخر يا أبا الحسن حقًا ثم اعتمر الرشيد في رمضان سنة تسع وسبعين فحمل موسى معه إلى بغداد فحبسه بها فتوفي في حبسه فلما طال حبسه كتب إلى الرشيد بما أخبرنا به عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ حدثنا عبد الواحد بن محمد الخصيبي قال‏:‏ حدثني أحمد بن إسماعيل قال‏:‏ بعث موسى بن جعفر إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت‏:‏ إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نقص جميعًا إلى يوم ليس فيه انقضاء يخسر فيه المبطلون ‏.‏

توفي موسى بن جعفر لخمس بقين من رجب هذه السنة ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسين الأستراباذي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي قال‏:‏ سمعت الحسن بن إبراهيم الخلال يقول‏:‏ ما أهمني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به إلا سهل الله لي هشيم بن بشير بن أبي حازم واسم أبي حازم‏:‏ القاسم بن دينار ‏.‏

وكنية هشيم‏:‏ أبو معاوية السلمي الواسطي بخاري الأصل ‏.‏

وُلد سنة أربع ومائة وكان أبوه طباخ الحجاج بن يوسف ‏.‏

سمع هشيم من‏:‏ عمرو بن دينار والزهري ويونس بن عبيد وأيوب وابن عون وخلق كثير ‏.‏

روى عنه‏:‏ مالك والثوري وشعبة وابن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهم ‏.‏

وكان من العلماء الحفاظ الثقات ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا العتيقي قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن العباس قال‏:‏ أخبرنا أبو أيوب سليمان بن إسحق الحربي قال‏:‏ قال أبو إسحق الحربي كان هشيم رجلًا كان أبوه صاحب صحناة وكواميخ يقال له‏:‏ بشر فطلب ابنه هشيم الحديث واشتهاه وكان أبوه يمنعه فكتب الحديث حتى جالس أبا شيبة القاضي وكان يناظر أبا شيبة في الفقه فمرض هشيم فقال أبو شيبة‏:‏ ما فعل ذلك الفتى الذي كان يجيء إلينا قالوا‏:‏ عليل ‏.‏

فقال‏:‏ قوموا بنا حتى نعوده فقام أهل المجلس جميعًا يعودونه حتى جاؤوا إلى منزل بشير فدخلوا إلى هشيم فجاء رجل إلى بشير ويده في الصحناة ‏.‏

فقال‏:‏ الحق ابنك قد جاء القاضي إليه يعوده فجاء بشير والقاضي في داره فلما خرج قال لابنه‏:‏ يا بني قد كنت أمنعك أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن أحمد بن رزق قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن سليمان النجاد قال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال‏:‏ حدَّثني مَنْ سمع عمرو بن عون قال‏:‏ مكث هشيم يصلي الفجر بوضوء عشاء الآخرة قبل أن يموت عشر سنين ‏.‏

توفي هشيم ببغداد في شعبان هذه السنة يحيى بن زكريا بن أي زائدة أبو سعيد

سمع أباه وهشامًا بن عمر والأعمش أو غيرهم ‏.‏

روى عنه‏:‏ قتيبة وأحمد ويحيى وغيرهم وولي قضاء المدائن وكان عالمًا ثقة ‏.‏

وقال ابن المديني‏:‏ انتهى العلم إليه في زمانه ‏.‏

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم‏:‏ هو أول من صنَّف الكتب بالكوفة توفي في هذه السنة ‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة اثنتين وثمانين ‏.‏

وقيل أربع وثمانين وهو ابن ثلاث وستين سنة يونس بن حبيب ‏.‏

صحب أبا عمرو بن العلاء وسمع من العرب وقد روى عن العرب ‏.‏

وروى عنه سيبويه فأكثر ‏.‏

وله مذهب في النحو تفرد به وقد سمع منه الكسائي والفراء وكانت حلقته بالبصرة يتباهى بها أهل العلم وأهل الأدب وفصحاء العرب والبادية ‏.‏

توفي في هذه السنة وله ثمان وتسعون سنة ‏.‏